img_5360

بالعادة الدوافع لمقابلة الناس و تقضية بعض الوقت ، نعم بعض الوقت ! , تكون دوافع لحظية ، أنانية نوعا ما ، ولكنها تتضمن منفعة مشتركة ، وهي التسلية ، بل و أعتبر ان لقائي بحد ذاته ذو منفعة عظيمة ، لأنني أشعر بالملل في خضم المقابلة عادة ، و أشعر أنهم منتشين من هذا اللقاء العقيم ، دون الخوض في تفاصيل وإصدار الأحكام على الناس ، فالرغبة في الاستمرار بمقابلة نفس الأشخاص لاحقا ستكون لنفس الدوافع اللحظية ، راجيا ان يمضي الوقت أسرع من ذي قبل ، مع تراجع في قبول تقديم وقتي الثمين لهذه المقابلة مرة أخرى ، جتى نصل لنقطة أن أقترح على نفسي أن هنالك لازال بالتأكيد العديد من المقابلات مع أناس أخرى ربما أوفر حظا ! , وأكثر ثراءا ! .

ولكن ليست القاهرة هذا المكان الأجدر بصنع هذه المقابلات المثمرة ، و لست محظوظا في هذا .

منذ أن بدأت في صنع علاقاتي الاجتماعية في صغري ، فكنت كما أذكر و بلا شك ، أكتفي بصديق أو اثنين ، يزداد العدد في حال كان هنالك ما يمكن أن نشاركه من اهتمام ، في مدرستي حتى صف الثالث الابتدائي ، أذكر أنني كنت صديق للفتيات المجتهدات في الفصل ، نور و ياسمين و آية أعتقد ! وصديق ابنة خالتي و صديقاتها الأخريات ، أشاركهن كل ما يمكن مشاركته من مذاكرة ، نشاط ثقافي ، نشاط علمي ، الإذاعة المدرسية ، مسابقة الخط ، بجانب نط الحبل طبعا و الحجلة ، عندما انتقلت إلى المدرسة الابتدائية للصبيان ، كنت صديق لطالبين آخرين قصيرين و محدودي الحجم مثلي تمام (أحمد و بلال) ، وكنا نجلس ثلاثتنا على مقعد خشبي واحد داخل الفصل ، تلك السنوات الثلاث ، لم أكن أقابل صديقاتي الا نادرا ، منافستي لابنة خالتي في الدراسة لم تعد ذات أهمية مثلما تهمني منافسة طلاب مدرستي ، تلك السنوات الثلاثة لم تتضمن اي نشاط رياضي او ترفيهي ، سوى الضحك الكثير و الألعاب على الورق التي تحتاج لنشاط ذهني ،  كلعبة ( ولد بنت بلد مدينة مهنة إلخ ) ،في الاعدادية ظهر صديق جديد شاركني المقعد ( محمد ) ، هنا بدأت أتفهم فكرة الصديق و أهميته ، و تعلقت كثيرا بتلك العلاقة ، أنا أذكر هذا الفتى حت  اليوم ، و كان صديقا مميزا و مضيفا ، لم يكن أحد سوانا يستمع للأغاني باللغة الانجليزية ، أو المسلسات الأمريكية المختلفة ،  لا يلعب كرة السلة سوانا ، عندما انتقلت للثانوية بدأت العشوائية في علاقاتي الاجتماعية تطفو إلى السطح لأول مرة ، في المدرسة أقابل مجموعات كبيرة من الأصدقاء ، أنا أشعر بالغربة عنهم و لكني جزء من ( الشلة ) ، و عندما وصلت للثانوية العامة كنت قد وصلت لمرحلة لا أصدقاء لدي ، حتى إلتقيت بصديق أخي الذي يصغرني بسنتين ( محمد ) و الذي لا يزال صديقي المقرب الذي لا ينقطع حتى الآن ، و بدأت في انتاج موسيقى الراب و الهيب هوب معه ، و منذ ذلك الزمن فقد كان هذا صديقي الوحيد ، و أقابل الكثيرين الذين يشعرونني بالغربة البحتة ، و لكني كنت أشارك في أعمال مسرحية فأقابل فريق المسرح ، و لكن لا صديق قريب لي هناك ، تركني هذا الصديق بعد أربع سنوات مضطرا ، و هنا ( استبدلته ) سريعا بصديق آخر (داني) ، و قربني الى صديقه الصدوق ( سامي ) ، و أصبح لي صديقين مقربين ، غادر أحدهم مضطرا أيضا بعد سنتين ، و تبقى سامي ، كنا ننتج الموسيقى أيضا ، لم يمضي وقت كثير حتى قابلنا ( بسام و مادي ) ، وأصبح أربعتنا الفريق الأنجح و الأكثر إبهارا في قطاع غزة ، و استمرت العلاقة لمدة ستة سنوات ، خضنا الكثير الكثير سويا ، كانت أوقات جميلة جدا ، حتى قمت أنا بالانشقاق التام عنهم ، وتسببت بتدمير هذا المشروع الجميل ( دون قصد ) ، لكن لم أشعر بالوحدة كثيرا ، لأن الثورات كانت مفتاحي و ملاذي التالي ، فقابلت مجموعة رائعة من البشر ( أسعد فادي محمود محمد فادي محمد سمرا يارا سماح و آخرون ) ، لا يزال بعض منهم على تواصل لا ينقطع .

ما أود ذكره هنا أنني أشعر برغبة شديدة في التعبير عن تميز جودة و روعة الأصدقاء الذين قابلتهم في حياتي ، كم الاحتواء لروحي و عقلي و نفسيتي ، دفعي للأمامي وجودهم في كل لحظة أحتاجهم بها ، قتلهم لفكرة الوحدة طوال الوقت ، في كل لحظة .

حتى غادرت القطاع بلا عودة في عام 2013 ، و بدأت أفقد أصدقائي ، أعني أني لا أستطيع أن اراهم أمامي ، و سبيلنا الوحيد للتواصل هو شبكة الانترنت .

أنا لا أقول أنه لا يوجد أرواح جميلة أقابلها هنا في القاهرة ، و لا أعني أيضا أنه لا يوجد سوى حوارات عقيمة و محادثات بلا أهمية ، و لكني أقول أنني أشعر بالغربة ، لا يوجد صديق أستطيع مشاركته كل شيء ، أفكاري هواجسي مخاوفي و أحلامي ، و أهم شيء ، الضحك الكثير ، هو يحدث لا محالة ولكن ليس كثيرا ، لا أضحك كما كنت أضحك مع سامي و بسام و مادي ، لا أضحك كما ضحكت مع أسعد و فادي و محمود ، أضحك أحيانا ضحكا آخر ، جميل يحرك عضلات قلبي ، ولكن سرعان ما يهدأ و أتوه في الوحدة العقيمة التي في داخلي .

كان هنالك تجربة مع شخص عرفته اسمه ( آدم ) ، كانت علاقة ليست بقصيرة ، سنتين من الزمن ، كنا نشاهد الحياة سويا ، بكل تفاصيلها ، نفصصها ، ننقاشها ، نتكلم كثيرا ، ولكن بعد سنتين انتبهت أنني لم أنظر إلى صديقي هذا ولا مرة واحدة ، لم أكن أعلم أنه وسخ لهذه الدرجة ، كغيمة الشتاء ، ملبد بالكهرباء ، و كشتاء القاهرة ، يمر دون برق أو رعد أو مطر ، لا حركة للطبيعة ، فقط برد ساكن داكن أسود ، هذا الذي اسمه آدم كان كذلك ، برد ساكن داكن أسود ، في مرة قرر أن يقرصني ليخبرني و يعلمني بأنني لم أنجح في تكوين صديق ، و يربكني و يجعلني أنظر لعلاقاتي بمنظار جديد .

بدأت بعشوائية أقابل البشر التي تتكلم كثيرا ، ليتكلمون سويا ، حتى أجد مساحة معينة بين الكلام المبعثر الذي اسمع ، لأضع جملتي التي بالأحرى ستوقف الحوار لضع ثوان ، ثم يتجاوزون هذا الغريب المريب الذي تكلم بلكنة غريبة ، فلا داعي لمراجعتي ، ربما أنطق بمنطق آخر ، فآخذ خطوة للوراء و أكتفي بالمشاهدة فقط ، ثم أشعر بالملل و أنسحب ، وأعود للبيت لأقول لنفسي لا بأس ستقابل صديقا يوما ما .

لا أريد أن أتجاوز هذا الكلام دون القول ، أنني اشعر بالحب تجاه عدد لا بأس به من الأشخاص الذين قابلتهم هنا في القاهرة ، شمس و قمر ، داليا و بلال ، مينا و شيراز ، بودي ، محمود ، و أخيرا حسن .

ولكن هنالك شيء لا أعرف ما هو ، لكن أريد صديقا اشاركه الكثير الكثير ، قدر المستطاع ، الكثير الكثير ، حتى أفيق من النوم و أعلم أنني يجب أن أكلمه أو اقابله ، ليس للتسلية فقط ، فلربما هناك شيئا ما يجب أن نقوم به سويا ، لا أعلم ما هو ، و لكن لا يوجد شيئا لا نشاركه سويا .

أعرف جيدا , أن اهتمامتي اختلفت و تغيرت ، و أن العالم هنا أكثر عشوائية و أقل انضباطا ، و أعلم أني صعب الاقناع ،و مغرور ، بجانب عقدي النفسية العديدة ، ولكن أعلم أيضا أني قابلت الكثير ممن استوعبوا كل هذا ووجدو أنني صديق يعرفونه و يرديون أن يعرفونه أكثر .

فأنا في هذه المرحلة من الحياة التي يتخللها الكثير من التصليحات و النظر في أمور كثيرة معقدة في الحياة , قلت لنفسي ، مرة أخرى ……

MEET INTERESTING PEOPLE.

والله الموفق و المستعان .